مصر
في رسالة عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب
*****

إعلم يا أمير المؤمنين أن مصر قريةُ غبراء، وشجرة خضراء، طولها شهر، وعرضُها عشر، يكنفها جبل أغبر، ورمل أعفر، يخط وسطها نيلُ مبارك الغدوات، ميمون الروحات، تجرى فيه الزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر، له أوان يدر حلابه، ويكثر فيه ذبابه، تمدّه عيون الأرض وينابيعها، حتى إذا اضلخمّ عجاجه، وتعظمت أمواجه، خاصة على جانبيه فلم يمكن التخلص من القرى بعضها الى بعض الا في صغار المراكب، وضفاف القوارب، وزوارق كأنهن في المخايل ورقّ الأصائل فإذا تكامل في زيادته نكص على عقبيه كأول ما بدأ في جريته، وطما في درته، فعند ذلك يخرج أهل ملّة محقورة وذمة مخفورة، يحرثون بطن الأرض، ويبذرون بها الحب يرجون بذلك النماء من الرب، لغيرهم ما سعوا من كدّهم، فناله منهم بغير جدّهم فإذا أحدق الزرع وأشرق، سقاه الندى وغذّاه من تحته الثرى.
فبينما مصر يا امير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، إذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رقشاء، فتبارك الله الخالق لما يشاء الذي يصلح هذه البلاد وينميها ويقرّ قاطنيها فيها ألا يُقبل قول خسيسها في رئيسها، وألا يستأدى خراج ثمرة إلا في أوانها، وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها، فإذا تقرّر الحال مع العمال في هذه الأحوال، تضاعف ارتفاع المال، والله تعالى يوفق في المبدأ والمآل.
"النجوم الزاهرة"
لابن تغري بردى
*******


د. أبو شامة المغربي