كنت أحبه كثيرا وكان يحبني على الأقل هذا ما اعتقدته لطريقته في معاملتي ولخوفه الشديد علي ولأمور أخرى كثيرة، كان صديقي الأقرب والأوحد وكنت أخبره بكل اسراراي واطلعه على مستجدات حياتي ، وكان يفعل ذلك فقد كان يهاتفني كثيرا ليخبرني عما حصل معه في كل يوم،بل كلما ضاقت عليه الدنيا كان يطرق بابي ويسألني الخروج معه لأنه يرغب أن يفضفض مشاكله لأحد، وكان يقول لي حينها: بأنني الشخص الوحيد الذي يرغب أن يشاركه أحزانه ويطلعه على أسراره ، وكنت سعيدة بذلك ،فقد كان يثبت لي وجهة نظري أنه يحبني ويكن لي المشاعر كما كنت أفعل. .
كنت حاضرة له في أي وقت شاء، ومن أجل مشاكله أتفرغ كليا وأبقى قريبة منه إلى أن تغادره سحابة الصيف ،لكنه سريعا ما يبتعد عني عندما تختفي ويتحجج أنه مشغول وكم كنت أصدقه فكيف كان لي أن أشك في أعز شخص على قلبي؟!
أذكر ذات مساء كنت جالسة منسجمة مع فيلم رومانسي إذ يطرق الباب استعجبت فمن عساه يطرق بابي في مثل هذا الوقت المتأخر ولم يخطر ببالي أنه هو، فقد سافر في مهمة ولم اسمع عنه شيئا لمدة شهرين، فتسألت بحذر: من الطارق؟ فكانت الأجابة أنه هو ... فهرعت أفتح الباب، فوجئت من حالته كان مغشيا عليه من التعب ، اسندته غلى كتفي ووضعته على المنضدة وحاولت أن أقدم له الاسعافات الآولية ، ثم اتصلت بالنجدة فوافتني بعد دقائق لشدة حرصي عليه خلتها ساعات طويلة لا ترغب أن تنتهي ...في الصباح استيقظ ونادى اسمي فاستيقظت وتساءلت عن سر ارتفاع الضغط لديه لهذه الدرجة، فكانت الأجابة أنه خسر عمله ، فذرفت عيناي الدموع بلا إرادة مني وعانقته وأنا أقول له : أمن أجل المال كدت تخسر حياتك أأنت مجنون؟؟؟
وبعد أن تعافى سألته أن يعمل مستشارا لشركتي ، في البداية رفض ، لكنني أقنعته بعدما أخبرته أنني التي تحتاج إليه وليس هو.. في الواقع كان في كلامي ذاك حقيقة مبطنة، فقد كنت ارغب منذ زمن أن يعمل معي لنعود قريبين مجددا كما كنا في صغرنا..
ومرت الأيام وعادت له حالته المرحة، وعدنا قريبان لبعضنا مجددا، واستمر تعلقي به يزدد يوما عن يوم، حتى أنني عندما رغبت بتغيير منزلي وددت منه أن يشرف على كل شيء، فقد كنت أرى فيه حياتي والزوج الذي أحلم بأن أمضي حياتي الباقية معه.
في يوم سألني إن كنت مشغولة على العشاء، فأخبرته أنني لست مشغولة، فقال لي: جيد، الليلة أدعوك للعشاء معي وهنالك مفاجئة أحضرها لك. ثم اختفى وابتسامة تعلو وجهه، دفعتني للفضول واللحاق به، فدخلت مكتبه ظنا مني أنه هنالك لكنه لم يكن هناك ، فانتابتني رغبة أن أرى مكتبه عن كثب ، فوجدته مرتب جدا كعادته ، ثم طرق الباب : وتساءلت من: لكنها كانت السكرتيرة وقالت لي: أنسة ......... ،وصلت الزهور والهدية اللتان طلبهما السيد..............
وتساءلت أين تضعهما : فقلت لها ضعيها على المكتب ويمكنك الانصراف الأن.. كانت تلك لحظة لا تنسى ، فقد اسرعت أفتح الهدية، وإذ بها خاتم للزواج ، فذهلت من شدة سعادتي ، وقلت في نفسي : لا بد أنها المفاجئة التي تحدث عنها، ثم اسرعت أعيد الهدية كما كانت كي لا أفسد مفاجئته، وتدربت على ماذا يمكنني أن أقول له، حينما يسألني الموافقة، وقلت في نفسي سأرفض لأدعه يتفاجأ، لا بد أن اسخر منه قليلا، علي أن أتعزز عليه واثقل بعض الشيء أمامه.. ثم بادرت الدموع عندما تخيلت الموقف.. حينها مسحت خدي وخرجت ، وطلبت من السكرتيرة ألا تخبره أنني كنت هنا ، كي لا أفسد شيئا من مخططه......
قبل ساعات من الموعد ، انتابتني مشاعر مضطربة وبت قلقة غير قادرة على فعل شيء،ثم قررت الاتصال برينا، كانت صديقتي المقربة متفاجئة من اتصالي فمنذ تزوجت ولم اتصل بها، وكلما كانت تعاتبني أتعذر بسب مشاغلي في إعادة بناء شركة والدي،بالواقع السبب الحقيقي أنني كنت رافضة لزواجها من سامي، فقد حذرتها منه، لكنها لم تكترث لتحذيراتي .....
عندما هاتفتها أخبرتها أن دين يرغب في دعوتي للعشاء وأنه يحضر لي مفاجأة كبيرة، وقلت لها: أنه ربما سيعرض الزواج علي الليلة و أنني أرغب أن تساعدني في اختيار فستان لارتديه في ليلتي الكبيرة هذه... فبادرتني بالقول أن الأمر ليس مؤكد وأن دين لن يعرض علي الزواج لأنه يخالني صديقته بل أخته.. لكنني رددتها وأخبرتها المساعدة ولتدع الأمور تجري كما هي .. وبعد توسلاتي وافقت، ثم طلبت مني أن أجرب العديد من الفساتين إلا أن اختارت لي فستان أسود من الكشمير تعلوه استراسات بقبة صينية، وطلبت مني ان أرفع شعري كله، وأن أضع على عيناي ظلال أزرق لأن ذلك سيبرز جمالهما وكنت سعيدة بما تطلبه مني ، وقبل أن تقفل : نظرت لي وقالت: سعيدة لأننا عدنا كما كنا نفعل في الماضي ....
اقترب الموعد وقد أصبحت شبه جاهزة، رششت من العطر الذي يحبه وانطلقت بسيارتي والفرحة تغمرني للمطعم، انتظرته طويلا حتى بدات أقلق عليه وعندما اتخذت قراري بالاتصال وفتح الحقيبة لأخراج هاتفي ، اتى فتنهدت سعيدة لقدومه وبادرني بقوله: أنا أسف لقد جعلتك تنتظريني طويلا، فقلت له : لا بأس، ثم قال لي : انظري لباب المطعم، فامتلكني الفضول لأعرف ماذا يخبأ لي من مفاجآت، وفي انتظاري أتت فتاة بغاية الجمال، وقلت ترى من المحظوظ بصحبتها، لكنها كانت تقترب من طاولتنا شيئا فشيئا ، حتى وصلت وقالت لي: مرحبا، ثم نظر إلي وقال: هذه المفاجئة، إنها حبيبتي وأرغب أن أعلن له رغبتي بالزواج أمامك، لأنك صديقتي وأختي وكل عائلتي ، لا أعلم حينها ما الملامح التي رسمت على وجهي، لكن دموعي خانتني ، فارتأيت أن أقول لهما: أنني سعيدة من أجلكما كثيرا، فأنت كل عائلتي، مرت الدقائق ببطء شديد وكان كل همي ألا يقرأ عيناي ،لكنهما لم يكترثا لوجودي ثم اتت اللحظة التي أخرج فيها الخاتم من باقة الورود وعرض عليها الزواج،عندها توقف الزمن قليلا وعاد بي للوراء قليلا ذلك الخاتم أرتديته وقلت أنه غير مناسب على أصبعي الصغير،ثم ضحكت وقلت لا بأس يمكنني تسويته المهم أنه أخيرا أدرك حبي، وسيقدم مباشرة على هذه الخطوة الجريئة. ثم عاد الزمن بي للواقع كان ملائما جدا عليها، بالتأكيد سيكون ملائما ، يالسذاجتي لم يسبق له أن أمسك يدي ليدرك حجم أصبعي فكيف بخطبتي ،كنت دائما له أخت ورفيقة أما حبيبة فذلك كان أبعد من الخيال.
لم أقو اكثر على رؤيتهما ، فاختلقت عذرا لتركهما وحدهما، أصر على بقائي وقال : ألست أخاك الأكبر ألا تحتفلين معي بهذه المناسبة ، لم يكن يدري أن كلامه ذاك الخنجر الذي أقتلع قلبي، كنت أنزف قطرة تلو أخرى، لكنني تمالكت واقتربت منها وعانقتها وقبلتها مباركة لها، ثم اقتربت منه فعانقني ثم قرص خدي وقال أنت دائما عنيدة ،فابتسمت وقلت : أنا تلميذة لمعلم ماهر فضحك .
خطوة تلو الخطوة ، كنت بحاجة التقدم أكثر بهدوء وبلا ريبة حتى ابتعدت قليلا،فاجهشت بالبكاء ثم بدات بالركض الركض، كان ذالك جل همي الهروب إلى اللامكان في تلك اللحظة ، لم أكن أعي من حولي فدموعي حجبت الرؤية ونزيف قلبي جردني من البصيرة فاصطدمت بأحدهم، نظرت له وقلت على عجل: آسفة لكنه مد يده ومسح دموعي وقال: ما الذي يبكيك؟؟ فتركته على عجل حتى قبل أن أجلب دفتر مواعيدي وأغراض أخرى لي، فكل ما التقته من تلك الصدمة هاتفي ومفاتيحي، كنت مسرعة فخوفي أن يراني...........على تلك الصورة كان يربكني.
ما أن وصلت للبيت حتى القيت بنفسي على الاريكة وبكيت بحرقة وصرخت بأعلى صوتي غبية ،غبية ثم استسلمت للنوم.
استيقظت متأخرة كان هاتفي يرن حتى فصل فاقتربت منه، كانت خمسة مكالمات من سكرتيرتي واثنتين منه، فاغلقته،وحاولت العودة للنوم، ففيه الحل،لكنني لم أفلح ، ثم اتصلت بسكرتيرتي وأخبرتها انني لن أتي اليوم لأني سافرت عند صديقتي البارحة لانها ستنجب، لا أعلم لما أختلقت هذا العذر لكنه كان أفضل خياراتي، ففتحت جهازي وراسلت دينا أنني سأتي غدا عندها. وحجزت على اول طائرة..
حزمت امتعتي واستعددت للرحيل، لكنه كان يتصل بي، فتمالكت قليلا ورددت عليه. كان شديد القلق، فقلت له : لم كل قلقك أنا بخير اطمأن. لكنك لم تتغيب يوما عن الدوام، فقلت له ممازحة : أنا المديرة ويحق لي اسبوع إجازة ، أليس كذلك. لكنك لم تخبريني بذلك . لا بأس نحن فيها أتسمح لي بالسفر... فقال: لا تقولي ذلك واعتن بنفسك.. سأنتظر عودتك شقيقتي الصغيرة، وأقفل الخط....ليعيد لي أوجاعي وأنا أردد لست أختك، لست أختك.....
في المطار استقبلتني صديقتي الوحيدة بحفاوة وكان بطنها قد كبر كثيرا على أخر مرة رأيتها فيها ، كانت في بداية شهرها الثامن
يتبـــــــــــــــــع.......