الوطواط
عدد المساهمات : 73 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 12/03/2010
| موضوع: قصة قصيرة مذكرة مجنون الجمعة مارس 26, 2010 5:15 am | |
| في وسط ليل هادئ اهتز في فراشه على حلم مزعج وجبينه يتفصد عرقًًًُُا لهوله,ثم زفر زفرة كادت أنفاسه أن تلفظ معها محملقا يمينا وشمالا بعينين جاحظتين ثم انتفض من مكانه كطلق البعير من عقاله متجها نحو المطبخ لتحضير فنجان قهوة ليطرد بها صداع الحلم كما وصفوا له بأنها مضاد حيوي ينشط الأعصاب ويزيل الصداع ,ثم عاد إلى فراشه ليستكمل بقية نومه لعله يغدق عليه بقليل من الراحة والسكينة ,لأن أحلام النهار استشرت من جسده, وما أن استلقى على سريره حتى عادت أحلام النهار تثرا أمام عينيه كحبات عقد لؤلؤ واحدة تلو الأخرى, فكز على شفتيه بأسنانه ثم كور يده ولكم بها الحائط مدميا إياها,وقال في نفسه الدنيا تافهة مهينة. أما أنا. قال . لما عدت إلى نفسي حقدت على هذا الزمن المغشوم الذي أبلاني قبل الأوان وذكرت أحبائي الأموات والأحياء, وتذكرت يوما كانت فيه المدنية غابة زيتون ونخيل وأقحوان وياسمين تداعب النحل أزهارها المتبسمة فتنال من رحيقها المختوم, وترفرف العصافير فوق أغصانا وتسبح في فضائها الرحب بطلق وسعادة, وما هي إلا أعوام معدودات حتى بين أظهرنا قوم من العجم يرطنون بكلام مبهم يصيحون فينا ويزعقون بدون سبب ويلسعون ظهورنا بسياط لا تأثر على الجسد بقدر ما تشل التفكير والسلوك,قال.توارينا لهم في الزوايا المظلمة فقضينا عن آخرهم حتى كان يوم ,قالوا ها قد عاد الماء إلى مجراه ,وانتظرت سقياي فلم يسقني أحد فمددت يدي إلى الماء فمنعوني وشربت كربتي حتى ارتويت, مما دفعني إلى السخط عليهم وأن أحب الأشياء خيالا أكثر مما أحبها حقيقة , فيعجبني وصف الروض أكثر مما يجبني مرآه ,ولا أطرب لمنظر البدر الذي تشرئب إليه الأنظار طربي لسماعي القصائد الغزليات ,وأحب أن أقرأ ما كتبه الكتاب حول المدن من وصف وهادها ونجادها وبطحائها وقصورها وأنديتها ولا يهمني رؤيتها كأنني أريد أن أستديم لنفسي تلك اللذة الخيالية مخافة أن أصطدم بالحقيقة فتحول بيني وبينها ,وقال في نفسه : لو كنت عاشقا لأصبحت أضحوكة العاشقين ولصرت أعجوبة الهازئين والساخرين ,ولكنت مثل ذلك الرجل الذي أحب امرأة فلما قالت له هيت لك,نكص على عقبيه وذهب لينام ,تعجبت لشأنه وقالت ما به ؟ فقال لها : أريد أن أنام لعلي أرى طيفك في المنام!. وهكذا همت على وجهي مارا بالطرقات والشوارع فلم تعرفني ولم أعرفها وبالأسواق والبائسين والبائسات, والوجوه المنتفخة والنهود المكورة والسيقان العارية فلم تفقهني ولم أفقهها, ومازلت أسير في ذلك الدرب بتمهل حتى استوقفني سائل فلم أهب له صدقة, قائلا في نفسي استنجد غريق بغريق , وأطل علي المنفلوطي من بين صفحات النظرات بموضعه الإحسان فبكى واستبكى وجفف القراء دموعهم بأوراق كتاب المطالعة لأنهم لا يملكون مناديل في جيوبهم فنفدت الأوراق وما نفدت الدموع أما أنا! قال حين كلت رجلاي استقللت الحافلة واندست بين الركاب فاعتصروني, وأحنيت رأسي حتى لا يراني الجابي واندست في جيبي أصابع كثيرة وعبثت شفرة حلاقة بسروالي فلم أبالي, مستنشقا رائحة امرأة شهية كانت أمامي ملتصقا بها حتى أصبحنا جسدا واحدا, فتصبب عرقها وتصبب عرقي . فما زلت على كذلك تذكرت قول جدي الذي قال لي ذات يوم:عليكم اللعنة يا جيل المسخ يا لقطاء ,كل شيء عندكم بثمن تبيعون مالا يباع ,تعرون نساءكم لتقعدوا مقعدا خشبيا تصدرون من ورائه الأوامر ثم تزهون في الشوارع برابطات أعناقكم ,ترقصون بعجيزاتكم المنتفخة للريح ,وقال الموت أفضل لي من أعيش فأتنفس الهواء الذي تتنفسون ويحملني الثرى الذي تركبون ,فقلت متخلف ورجعي هذا الجد لأن المسألة بسيطة واللبيب من يتطور حسب تطور العصر فعصرهم شيء وعصرنا شيء آخر, ففي الزمان القديم كانوا يركبون والحمير والبغال في السفر ونحن اليوم نركب الحافلات والقطارات, وكانوا يسترون المرأة حتى لا يكاد يظهر منها شيء ونحن اليوم نعريها حتى لا يكاد يخفى منها شيء ,فنظر إلي نظرة شرزاء مهينة الله يعلم كم تكن لي من سخط واحتقار قائلا: أنتم اليوم أصبحتم يا لئيم تستهلكون الشعارات المستوردة دون وعي بما تنطوي عليه من زندقة وكفر ومروق عن سوء السبيل,لقد غرتكم قشور حضارة الغرب المتصدع ,نعم الغرب المتصدع!وسوف يعلم الجاحدون من أمثالك صدق ما أقوله عاجلا أوآجلا. وما هي إلا برهة من الزمان حتى أخبرت بأن قوما حضروا أرضنا معممين يرشحون بالدولار ينقبون عنه في أرضهم فيجدونه في آبار نما يجد المرء الماء المخلوط بالطمي ,فعجبنا لذلك أشد العجب ,ولما حضروا أرضنا بطحوا نساءنا وبناتنا أرضا ثم عروهن وكسوهن بأوراق الدولار. ومازال هذا دأبهم إلى الآن والله أعلم.ثم حوقلت وقلت إنما هو أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن أفقد عقلي فأهيم في شوارع هذه المدينة النتنة, وإما أن أموت كمدا في مكاني كما تموت الهوام والحشرات.وبقيت واجما في مكاني منتظرا إسكات الغضب عني, فإذا بآنسة -تعلمت في حضنها معنى الحب والحنان-ماسكة بتلابيبي باسمة الثغر فعاودتني لذة الحياة ووردية الأحلام وصفاء الذهن ثم نظرت إلي نظرة عطف وحنان, وأخبرتني أن ما يعجبها في صراحة شيء واحد لا غير طبعي الغريب الذي لم يتغير...
إعداد: محمد أمين 28/02/2008 | |
|