بعد أن أصرّت علي صديقتي باستعارة الكتاب , والذي وجدتني بين ثناياه أطوي الصفحة وأهبط بثقل رأسي على طاولة الخشب السوداء , لأتنفس رطوبة أكسجين العتمة , بعد ذلك فضلت أن أهديها الكتاب لأني لمست منها الرغبة في قراءته , فهي لن تلقيه جانبًا أو تتململ بأن شهرًا كاملاً مضى دون أن تقرأه , جاءتني في اليوم التالي , لتقول لي :
- بلقيس انتهيت عند قصيدة "بلقيس" "لنزار قباني" وكدت أبكي .
- ولم لم تبكِ !
- خجلتُ من نفسي ومن من حولي ..
شكرتها حينها , على اختيار موضوعٍ لمقالتي الجديدة , ووعدتها بأن يكون ردي عليها من خلالها ..
أختي الحبيبة ..
الصبا والأمس , الحنين والشوق , المهج والوجع , مراكب تعبر الدروب السالكة على وجنتي الكون , والدموع تُصدِّق ذلك أو تكذبه !! فالعناية بالمشاعر والأحاسيس تجعل أغصان السأم تتبرعم فينا , فتزهر دمعتان كبيرتان , تنفرج منهما أسارير القلب المحزون , لذلك دعيني أقول لك و للجميع بأننا في حاجة إلى الدموع ربما أكثر من الضحك أحيانا ! لأنها تصنع من النفس روحاً , تحرق خشب البلاء والذكريات ووخز الانتظار فتحيله طيبًا وبخورًا فواحًا ...فإذا لمست شيئا في داخلك , وصار لوقعه سيوف في متاريس , فجهز مزاميرك وتلاواتك وأهدابك وأوشحة الليل ولا تنحني للصمود أمام موج الدموع ..
فلا مفر من الشجون عندما تحضر ولا عصيان لسحب الفيروز , بل رئات طويلة وشهقات سمينة , تثب للعالم من شرفتي عينيك..
والآن أدعوكم لمراسم الدموع :
حالة وجدانية تضيق ثم تضيق , نفير وهروب إلى زجاجة دواء.. لا عفوًا , البعض هكذا يفكر ويفكر في الخلاص .. هنا حاول أن تنهي أفكارك القديمة هذه.. ولتجرب أفكاري , فلست إلا مجتهدة ولكل مجتهد نصيب , وفوق ذلك مجربة , و قيل قديمًا : اسأل مجرب ولا تسأل طبيب .
أولا يجب أن تكون مستعدًا لمثل هذه الحالات وإن شئت فقل طوارئ الروح ,
لذلك اغتنم لمكتبتك, دواوين شعرية أصيلة , وقصص عاطفية راقية , ومقاطع صوتية هادئة تستحث الدموع وتجعلها تهرول بسرعة ثلاثة آلاف حصان , وأخيرًا سماعات صغيرة .
افتح أقرب نافذة عندك , ويفضل أن تكون بعيدة عن الآخرين , خذ نفسًا عميقًا ثم ارمِ به في البحر ولكن ببطء السلحفاة , كرر العملية عشر مرات , حسب الرغبة والحاجة , حاول أن تبكي , فالبكاء دواء وغسول روحي , يطرد صدأ الكتمان ..
والآن..هل بكيت ؟؟
أرجو ذلك !