طاهر العدوان
تحتفل عمان اليوم بعيدها المئوي. وقد يوحي ذلك بانها ولدت في عام 1909 وهذا ظلم. عمان الجديدة هي التي ولدت في هذا التاريخ لكن قلعة عمون شاهد على ولادتها الاولى, ومدرجها الروماني احد معالم فيلادلفيا القديمة. ومن القلعة انطلقت جيوش العمونيين للقاء القبائل العبرية في معركة دابوق دفاعا عن مملكتهم المستهدفة من الرعاة العابرين. وعلى مدرجها الروماني كانت ديمقراطية روما العظيمة تروي علاقة الدولة بالمجتمع, او مجلس الشيوخ بدول الكومنولث.
وحتى لا يظن احد باني اعارض الاحتفالية الخاصة بالمئوية, اسارع للقول باني اذكرّ بهوية عمان التاريخية توطئة لتأكيد اهمية المناسبة, فعمان الحديثة, عمان القرن العشرين والحادي والعشرين هي قصة اخرى لولادة ونشوء مدينة ليست كالمدن الاخرى. انها مدينة الجبال السبعة, والسلالم والوديان التي تلتقي في مكان واحد والمدينة ذات البنايات الحجرية المميزة.
يروي الزميل احمد النسور انه اطّلع على عقد زواج في مدينة السلط في العقد الثاني من القرن الماضي يتضمن شرطاً لوالد العروس "بان لا يسكن الزوج في قرية عمان" وتظهر صور التقطها المعهد الفرنسي للاثار في القدس خلال الفترة من 1893 - 1935 انها كانت قرية صغيرة غالبيتها من الشراكسة. يدل مظهرهم وعرباتهم الخشبية بانهم اقرب الى الفلاحين منهم الى ابناء المدن.
هنا تكمن حكاية عمان التي لم تصبح على ما هي عليه اليوم من حضارة ومعالم ومدنيّة بفعل عصا سحرية, لقد كان لها اكثر من ولادة عبر عدد من المراحل. ومن المستحيل فهم تطور المدينة الكبير واستيعابه من دون محاولة فهم العلاقة العميقة التي تربطها بقيام الدولة الهاشمية وقيام الاردن كوطن وكيان مستقل. عمان هي درّة المملكة وزينة انجازاتها الحضارية.
وتدين عمان بنهضتها العمرانية الكبيرة الى العقود الثلاثة الماضية, خلالها تحولت من عاصمة متواضعة يزحف اليها الظلام مبكراً. الى مدينة من الانوار والشوارع النابضة بالحياة على مدار الساعة. ويدل طابعها العمراني على ذوق رفيع في هندستها وشكل منازلها, وفيها من القصور والفلل ما لا يوجد مثيل له في دول غنية وثرّية. وان كان هذا يتناقض مع واقع بلد لا يملك النفط والماء والصناعة العملاقة, فانه مؤشر على ارادات تسعى لحياة عصرية. والواقع ان ما من زائر عربي الى عمان الاّ ويفاجأ بخطأ الصورة النمطية السائدة في الاذهان, بانه ما دام الاردن فقيرا في موارده فمن طبائع الامور ان يكون فقيراً في حواضره ومدنه واسلوب حياة شعبه.
واذا كانت عمان تمثل »وسام النهضة« على صدر الدولة الاردنية وشعبها. فان المناسبة تُلح بالاشارة الى بعض ما ارتكب ويرتكب من سلبيات بحق المدينة واهلها, ومنه (1) هذا الانفلات في التوسع بالبنيان بعد ان تغلبت اطماع التجارة على الحاجات الانسانية الاخرى لابناء عمان فلم يترك للمدينة ساحات طبيعية وحدائق يتنفس فيها سكان العمارات التي تنمو في جبالها واحيائها ملتهمة الاخضر واليابس, من دون اي اعتبار لتخطيط يترك فراغات لملاعب وحدائق في كل حي, و ممرات لرياضة المشي تقي من امراض القلب والسكر والكولسترول.
(2) لقد ارتكب المخططون لنمو عمان خطايا جسيمة عندما قرروا اقامة الجامعة الاردنية, في غابات الجبيهة التي كان لها ان تكون حديقة لشمال وغرب عمان. ونرى مثل هذا الخطأ يتكرر في المدينة الرياضية حيث نصحو كل يوم على بناء جديد يغزو غابتها الخضراء.
(3) وتخلو عمان من لمسات فنية تراثية وجمالية وتاريخية في ميادينها وعلى جسورها تعطي للمدينة طابعاً ثقافياً يميز هويتها في الماضي والحاضر مثلما هو موجود في ميادين القاهرة وبغداد ودمشق وتونس ..الخ.
(4) وتحتاج عمان لعملية جراحية تجميلية, تقضي على ظاهرة الأسطح التي تحولت الى ساحات (سكراب) للدشات والخزانات. ولا يتم ذلك من دون مخطط تتبناه امانة عمان وتشجع السكان على تنفيذه للاعتناء بالأسطح. ومنحها لمسات من الجمال يتناسب فيها الرأس مع الهندام والقوام.
وعقبال آلاف السنين لعمان مدينة اردنية هاشمية عربية مزدهرة بحضارتها وقيّمها وثقافتها.
[url=mailto://العرب اليوم]العرب اليوم[/url]